رئيس لجنة التربية يقدم ورقة عمل اللجنة في مؤتمر بغداد التربوي 

قدم النائب سيروان عبدالله سيريني رئيس لجنة التربية يوم السبت 15/4/2017 خلال مشاركته في مؤتمر بغداد التربوي والذي عقد في قاعة الأنتصارببغداد ، ورقة عمل عن لجنة التربية بعنوان أهم عوامل النهضة اليابانية في مجالي التربية والتعليم
      
المقدمة :
يعد التعليم من أهم و أبرز مظاهر الرقي والرفعة التي يحتاجها الأنسان لتلبية المتطلبات الأساسية التي يسعى إليها ليس على المستوى الفردي فقط بل على مستوى الدولة أيضاً كون الدولة التي تهتم وتسعى لتطوير نظامها التعليمي والمحافظة عليه هي الدولة التي لديها رغبة حقيقية في التفوق والتقدم في كافة المجالات حيث ان التعليم يعتبر حجر الأساس لتطوير وتقدم الأمم على كافة الصعد الأجتماعية و الثقافية و الأقتصادية والمجالات الأخرى لذا يعتبر التعليم حجر الأساس لأي دولة تسعى من أجل تحقيق الرفاهية و النمو لشعبها .

كما أن هناك صفات مهمة يجب على الفرد و المجتمع و الدولة أكتسابها و تنميتها والحث عليها وهي ( الصبر و الجدية والمثابرة و الأجتهاد ) في طلب العلم و توفير السبل الملائمة لاكتسابها و تنميتها كونها الصفات التي من خلالها يمتلك الأنسان العلوم النافعة المفيدة لنفسه و مجتمعه فطلب العلم قد يكون شاقاً في بعض الأحيان و يجعل الكثير من الناس ينأون بأنفسهم عنه لما يسببه من ضيق و مشقه لهم متجاهلين الفوائد التي سيجنونها من تعليمهم لو أنهم تحلوا بالصبر و المثابرة في طلب العلم .

ولألقاء الضوء على أهم عوامل نهضة اليابان في مجال التعليم سنتناول المحاور الأتية :

أولا : جودة التعليم في اليابان مفتاح النجاح
مرت اليابان قبل مائة و خمسون عاماً بثلاث أزمات كبرى وهي  حرب الأفيون سنة 1840 و الهزيمة في الحرب العالمية الثانية سنة 1945 و زلزال توهوكو سنة 2011 و كان أشدها و طأة هي الحرب العالمية الثانية لما خلفته من دمار و تخريب لحق بالشعب الياباني الأمر الذي دعا اليابانيين الى التفكير في كيفية تخطي هذه المحنة و خسارة الحرب من أجل أن يجعلوا من اليابان في مصاف الدول الكبرى أقتصادياً سيما وأن نسبة كبيرة من السكان فرض عليهم الواقع العيش في رقعة من الارض لاتتناسب مع نسبتهم السكانية مع عدم وجود أي نوع من الثروات و الموارد الطبيعية التي من الممكن الاعتماد عليها في أقتصادهم الأمر الذي جعلهم يؤمنون بان الحل هو في الأنسان الياباني و مايحملة من فكروأن بوادر التغيير يجب أن تبدأ من الداخل الياباني أي (العقل الياباني) وما يتمتع به من حس عالي و حرص وعزيمة على التطوروالجدية و الأجتهاد و العمل التضامني الجماعي بعد أستيعابه الأزمات التي مر بها و من هنا جاء دور النظام التعليمي الياباني كأساس في عملية التطور التي وصلت إليها اليابان و التي سعوا جاهدين الى تطبيقها من خلال مبادئ إدارية حديثة من بينها أدارة الجودة الكاملة و العمل ضمن روح الفريق الواحد و أتقان العمل الأداري على أكمل وجه من خلال تحويله الى قيمة أجتماعية مرتبطة بالثقافة اليابانية والأبتكارو التطوير فقامت اليابان بمجموعة من الأصلاحات في ما يسمى بفترة ( مييجي ) وهي الفترة الأولى من تاريخ اليابان المعاصر (1968 ــ 1912 ) أطلق عليها أسم مييجي و الذي يعني الحكومة المستنيرة تلميحاً للحكومة الجديدة والتي تولت شؤون البلاد وكان هذا الأسم أيضا اللقب الرسمي للأمبراطور(موتسو هيتو) والمعروف بــ ( مييجي تينو ) ومن هذه الأصلاحات :
1 الأنفتاح بشكل واسع على الدول المتقدمة تقنيا لغرض الأطلاع على أحدث ما توصلوا اليه في عالم التقنيات .
2 ـ الغاء طبقة المحاربين .
3 ـ الغاء النظام الأقطاعي و أنشاء المحافظات سنة 1871 .
4 ـ أصدار قانون جديد للعملة سنة 1871 .
5 ـ أصلاح التعليم سنة 1872 .
6 ـ النظام العسكري سنة 1869 .
وكانت فقرة أصلاح التعليم هي الأهم ( سوف يجري العمل على جميع المعارف من شتى أنحاء العالم أجمع ، و على هذا النحو سوف ترسخ الامبراطورية على أسس متينة ) .

و على هذا الأساس لا نكاد ننظر إلى أي جهة من جهات النهضة اليابانية دون أن نرى موضوع التعليم حيث أخذت أصلاحات النظام التعليمي في اليابان بالاعتماد على التدريب على التفكير أكثر من أعتمادها على النقل و الحفظ ومع مرور الزمن أستقرت هذه المفاهيم في نظامهم التعليمي حتى أصبح محط أنظار و أهتمام خبراء التعليم في العالم و تحولت مناهج التربية والتعليم اليابانية اليوم الى مناهج عالمية ينظر اليها بأهتمام تحاول الأمم الأخرى تقليدها لما حققته من نجاح واسع .

ثانيا : القرارات السياسية الأيجابية عامل من عوامل النهضة اليابانية
ان القرارات السياسية كان لها تأثير أيجابي على تقدم اليابان سيما ما يخص الأنفتاح و على نطاق واسع على ثقافات العالم المتطورة وأستعارت أفكاروتقنيات تلك الثقافات وتوظيفها حسب رؤية وثقافة المجتمع الياباني لتستطيع و بفترة قياسية أن تستوعب تلك الثقافات والتقنيات ومن ثم تطويرها لتتجاوز تلك الدول التي كانت تعد رائدة في هذا المجال و من هذه القرارات الأهتمام بالأسرة التربوية من أجل تطوير البلد فقام رئيس الوزراء السابق ( كاكوتي ته نه كا ) بزيادة رواتب المعلمين و تخصيصاتهم عن طريق منحهم أمتيازات عالية حتى أصبحت وظيفة المعلم في اليابان تحظى بأحترام و تقدير و شعبية عالية و شرعت لأجل ذلك قوانين و أنظمة صارمه تمنع الأعتداء على الكوادر التعليمية كون اليابان دولة قانون و نظام لا تسمح لأحد في مخالفته أو التجاوز عليه .

وعلى أثر هذا الأهتمام و الدعم المادي و المعنوي للكوادر التعليمية و الأدارة المدروسة وحب البلد وروح الأنتماء و ثقافة المجتمع و الذي كان له بالغ الأثر في تطوير اليابان بدأت الكوادر التربوية المتقدمة بالعمل الجاد و الدؤوب والواقعي بتأسيس نظام تربوي مدروس يراعي امكانية اعادة النظر فيه كلما أستدعت الضرورة لذلك و فق المستجدات كوضع خطط مستقبلية ضمن رؤيا بعيدة المدى تراعي على سبيل المثال في حالة زيادة عدد كبار السن في فترات مستقبلية لاحقه مفترضه ( من 2030 الى 2060 ) و قلة عدد الطلاب الاجراءات البديلة التي تقوم بها الحكومة اليابانية لعدم توقف عجلة التقدم في المجال التربوي .

ثالثا : النظام التربوي الياباني
إن خبرة اليابان في أستقبال الكثير من الثقافات المختلفة و تطويعها لثقافتهم مضافاً الى ذلك الحماس الزائد للشخصية اليابانية للتعلم جعلهم يبحثون عن كل ماهو جديد .

أستفادت اليابان كثيراً من الثقافة الصينية و التي تحمل أفكار ورؤى فلسفية و تركز على نظام أجتماعي مبني على أسس أخلاقية تعزز الولاء للأباء و المعلمين و تؤكد على أهمية العلم و المعرفة و الجد و الأجتهاد في طلبهما فأصبح التلاميذ و الطلبة يدرسون الأخلاق و أحترام حقوق الأنسان متحلين بالصبر و الجد و الأجتهاد في طلب العلم و الأنضباط و العمل الجماعي أستناداً على مبدأ ( الواحد للكل و الكل للواحد ) و عملوا على تنمية ألية التعليم الذاتي للتلاميذ و الطلبة و كذلك الأهتمام بذوي الأحتياجات الخاصة من خلال انشاء مدارس خاصة بهم حيث يتم أعدادهم و تأهيلهم تمهيداً لأحالتهم الى المدارس الأعتيادية كما لوحظ أن مراحل الدراسة تشبة الى حد معين مراحل الدراسة في العراق من حيث المدد لكل مرحلة دراسية كونهم يعملون بنظام ( 6 × 3 × 3 ) أي ست سنوات للمرحلة الأبتدائية و ثلاث سنوات للمرحلة المتوسطة و مثلها للمرحلة الأعدادية .

ولديهم نظام يسمح للطالب بعد الدراسة الثانوية أي بعد الصف العاشر التقديم للدراسة في المدارس المهنية الصناعية كما أن هناك أهتمام واضح بالبيئة المدرسية و الحرص على أن تكون بيئة صحية تراعى فيها خضوع التلاميذ و الطلبة الى فحص بدني دوري و نظام غذائي يومي في المدارس تتجسد فيه ابهى صور التعاون وروح العمل الجماعي بين التلاميذ و الطلبة في خدمة بعضهم البعض .

كما لابد من الأشارة الى أن الكتب و المناهج الدراسية توزع مجاناً في اليابان بالأضافة الى أهتمامهم بالتراث الياباني عن طريق تعليمه في دروس الرسم على الأقمشة وكذلك قيام نقابة الحرفين بتقديم دروس في المدارس بالأضافة الى وجود حصص للموسيقى ضمن دروسهم التي تقدم للتلاميذ والطلبة ولا يوجد رسوب في مدارسهم كونهم يؤكدون على الدروس الأخلاقية التي تنمي روح التعاون المتبادل وعلاقة الأنسان بالبيئة و مايحيطها و لايوجد في نظامهم التعليمي الأمتحانات العامة ( البكلوريا ) في المرحلة السادسة من مراحل التعليم لديهم حيث أن هدف التعليم في اليابان يركز على مرتكزات ثلاث الأخلاق و المعرفة و الجسد ( الصحة ) .
 
 
رابعا : المكانة المرموقة للمعلم
يحظى المعلم في اليابان بأحترام وتقدير من قبل المجتمع الياباني ولهم مكانه أجتماعية مرموقة و يتضح ذلك من خلال النظرة الأجتماعية المرموقة لهم حيث لا يقبل في هذه الوظيفة إلا خريجو الجامعات بعد أجتياز أختبارات شاقة كما يجسد المعلمون العمل بروح الجماعة و الجدية في العمل بشكل واضح في سلوكياتهم وهم في تطوير دائم لقدراتهم عن طريق الدراسات المستمرة التي يقومون بها لرفع مستواهم العلمي كما لديهم أهتمام واضح بتلاميذهم من خلال المتابعة الدائمة في المدارس ومنازل التلاميذ والطلبة لغرض الأطمئنان عل الاجواء العامة التي يعيشونها طلبتهم من خلال التواصل مع أسرهم وهم بشكل عام يعكسون نظرة المجتمع اليهم و يعكسون أيضاً صورة الألتزام وروح الجماعة و التفاني في العمل وكذلك يعمل المعلمون لأوقات متأخرة في المدارس و خارجها كما لابد من الأشارة لعدم وجود مخصصات أضافية على هذا الجهد كون لديهم رواتب و أمتيازات عالية حيث يصل معدل راتب المعلم الشاب في بداية تعينه الى ثلاثة ألاف دولار شهرياً و أذا وصل المعلم الى عمر ستون عاماً يأخذ ما يقارب ثمانية ألاف دولار شهرياً مما يوفر لهم حياة مستقرة كريمة .

خامسا : الطالب كمحور من محاور العملية التعليمية

إن الفلسفة التربوية اليابانية نجحت في أستقطاب التلاميذ والطلبة بمراعاتها للأنشطة الترفيهية و النشاطات الأخرى المستمرة والأهتمام بالصحة البدنية و التغذية مما شجع الأطفال على التعلم و الأستمرار بالدراسة و بالتالي خروج اجيال منتجين في المجتمع وكان لوجود الحرص و الرغبة في التعلم و الحث من قبل أولياء أمورهم و الكادر التربوي بالغ الأثر في المساعدة على نجاح العملية التعليمية فالطلاب اليابانيون يؤمنون بنصح مدرسيهم و أبائهم بأن النجاح و التفوق يتحقق بالجد و الأجتهاد و المثابرة وكذلك تنمية الشعور بالمسؤولية والعمل بروح الجماعة لدى التلاميذ و الطلاب في المحافظة على البيئة المدرسية والتي تشمل القاعات الدراسية و ملحقاتها و الأثاث المدرسي والأدوات التعليمية بألاضافة الىساعات الدوام الطويلة قياسا بأقرانهم في الدول الأخرى و التي تبدأ من الساعة (8:30) صباحا و تنتهي في الساعة ( 3:15 ) مساءً بوا قع ست حصص بالأضافة الى الأنشطة التي تؤكد على تعزيز السلام كمفهوم لدى الأطفال من خلال برامج أعمال متعددة للتواصل بين أطفال هيروشيما و أطفال خارج اليابان و قيامهم بأرسال رسائل حول العالم تعزز روح السلام مما كان له بالغ الأثر في تنمية الأحساس بالمسؤولية و الأعتماد على النفس و الانتماء إلى المدرسة و المجتمع  .
  
التوصيات:-
1.     تشجيع الأنشطة المدرسية للتلاميذ والطلاب وتنظيم شؤونها في الميادين كافة (الرياضية ، الكشفية ، الفنية ، الثقافية ، الاجتماعية ، الإنتاجية) وغيرها بما يحقق الأهداف التربوية في مختلف المراحل التعليمية .
2.     تعزيز التعليم من خلال اللعب في مرحلة رياض الأطفال والتعليم الأساس كون فترة الطفولة هي الفترة التي يكتسب فيها الأطفال الكثير من الخبرات عن طريق اللعب وكذلك تنمو لديهم القدرة والرغبة في الاكتشاف والفضول المعرفي .
3.     تعميق وإرساء مبدأ التسامح مع الآخرين عن طريق المناهج الدراسية وطرائق التدريس .
4.     تفعيل العمل بمبدأ التعليم الذاتي الفعال .
5.     تفعيل نظام التغذية المدرسية في المدارس بشكل جدي .
6.     تحسين نوعية مدخلات التعليم من مختبرات ومكتبات ومعدات ومناهج .
7.     توفير التمويل اللازم لتغطية متطلبات تأهيل القطاع التربوي وبالتنسيق مع وزارة التخطيط .
8.     الحصول على المعارف الأساسية في المجال التربوي والذي يتلائم مع طبيعة وعادات المجتمع العراقي .
9.     إعادة النظر بالفلسفة التربوية وفق الواقع الحالي وما تعانيه الطفولة من أزمات وتحديات .
10.                      إعادة النظر بالأنظمة والتشريعات التربوية بما ينسجم مع المتغيرات الحاصلة على المستويات كافة وبما يعزز المفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان .
11.                      اعتماد استقلالية التعليم وفصله عن التيارات السياسية ونشر حقوق الإنسان واحترام حرية الفكر والتعبير وتعزيز التسامح واللحمة الاجتماعية .
12.                      العمل على تعزيز مشاركة المجتمع في تخطيط النظام التعليمي وتقويمه .
13.                      رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توفير صفوف خاصة بهم تستخدم فيها طرائق تدريس ومناهج ووسائل تعليمية تتناسب وحالاتهم .
14.                      تعزيز الصلات التربوية بين العراق ودول العالم سيما المتطورة منها .
15.                      توفير الإمكانات والوسائل اللازمة لتأمين الاستقرار للعاملين في القطاع التربوي وإيجاد الظروف والعوامل والحوافز التي تساعدهم في توجيه جهودهم وقدراتهم لتحقيق أهداف التربية وغاياتها بما في ذلك رفع مستواهم العلمي والوظيفي والمادي .
16.                      تعزيز وتفعيل العلاقة بين المؤسسة التربوية ومجتمعها المحلي عن طريق مجالس الآباء والمعلمين لتفعيل الأنشطة الخاصة بخدمة المجتمع والعمل التطوعي وغير ذلك من أعمال في تنمية المجتمع وتطويره .
17.                      الاستثمار في التعليم لتحقيق الأهداف والغايات العامة سواءً للمجتمع او الدولة .
18.                      الموازنة بين الأصالة والمعاصرة في التعليم .
19.                      غرس قيم العمل منذ بداية سن التعليم .
 
الخلاصة

بعد إلقاء هذه النظرة على أهم عوامل النهضة اليابانية في مجال التعليم نجد أن هذه العوامل شكلت المرتكزات الأساسية للنظام التعليمي بالرغم من الظروف القاسية و أثار الدمار الذي لحق دولة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و التي أصبحت محط فخر و أعتزاز لهم حيث أصبحت أنجازاتهم مدار بحث و دراسة للعديد من الدول و المراكز البحثية و لايمكن تحديد هذه العوامل التعليمية في اليابان بمعزل عن ظروف المجتمع التي ألقت بضلالها على الشخصية اليابانية كأفراد و كمجتمع من خلال مراعاتها لخصائص ثقافة المجتمع الياباني و إرثه الحضاري و المرونه في أستيعاب المفاهيم و الأفكار الأجنبية و القدرة على تكييفها وفق ظروف وعادات مجتمعهم و الأتجاه نحو ديمقراطية التعليم من خلال إعطاء صلاحيات واسعة للمقاطعات في تنظيم و إدارة شؤون التعليم من خلال تطبيق خطط الوزارة وبشكل مُنَظّم .
 
  النائب 
سيروان عبدالله سيريني 
رئيس لجنة التربية 
15/4/2017 
 


WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com